
وثّق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان واحدة من أبشع الجرائم التي يمكن أن ترتكب بحق الإنسان وكرامته، بشهادات جديدة جمعها موظفو المركز من بعض المعتقلين الفلسطينيين في قطاع غزة الذين أطلق سراحهم مؤخراً من السجون الإسرائيلية.
وكشفت هذه الشهادات عن ممارسة ممنهجة ومنظمة للتعذيب الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب والتعري والتصوير القسري والاعتداء الجنسي بالأدوات والكلاب، فضلاً عن الإهانة النفسية المتعمدة التي تهدف إلى سحق الكرامة الإنسانية ومحو الهوية الفردية بشكل كامل.
وتضمنت الشهادات الموثقة لمحامي وباحثي المركز حالات اغتصاب ارتكبها جنود الاحتلال، دون أي مبرر قانوني، لمدنيين فلسطينيين، بينهم نساء، اعتقلوا من مناطق مختلفة من قطاع غزة خلال العامين الأخيرين، في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تهدف إلى إذلالهم وإلحاق أقصى الأذى النفسي والجسدي بهم.
ومن بين هذه الحالات، تم اعتقال (ن.أ)، وهي امرأة وأم فلسطينية تبلغ من العمر 42 عامًا، في نوفمبر 2024 أثناء مرورها عبر حاجز إسرائيلي شمال قطاع غزة. وفي إفادتها لموظفي المركز، وصفت تعرضها للاغتصاب أربع مرات على يد جنود إسرائيليين، فضلاً عن تعرضها لمختلف أشكال التعذيب والعنف الجنسي، بما في ذلك الشتم بألفاظ نابية، والتجريد من ملابسها وتصويرها، والصعق بالكهرباء والضرب في جميع أنحاء جسدها.
وتابع: “بعد ساعة، تم اغتصابي بالكامل مرة أخرى في نفس الوضعية، حيث تم إدخال القضيب في مهبلي، وتم ضربي وأنا أصرخ. كان هناك العديد من الجنود هناك، كنت أسمع ضحكاتهم وصوت الكاميرا وهم يلتقطون الصور. استمر الاغتصاب لفترة قصيرة جدًا ولم يكن هناك قذف خلال هذه الفترة. أثناء الاغتصاب، تعرضت للضرب بيدي على رأسي وظهري”.
لا أستطيع أن أشرح ما أشعر به. أردت أن أموت في كل لحظة. وبعد اغتصابي، تُركت وحدي في نفس الغرفة وتم تقييد يدي عارياً في السرير لساعات طويلة. كنت أسمع الجنود في الخارج يتحدثون العبرية ويضحكون. وفي وقت لاحق، تعرضت للاغتصاب المهبلي مرة أخرى وكنت أصرخ، لكن عندما حاولت المقاومة ضربوني. وبعد أكثر من ساعة (لا أعرف الوقت) دخل جندي ملثم، ونزع العصابة عن عيني، ورفع النقاب عن وجهه. وكان أبيض البشرة وطويل القامة. سألني إذا كنت أتحدث الإنجليزية، فقلت لا، قال إنني روسي وطلب مني أن أداعب قضيبه لكنني رفضت وضربني على وجهي وكان هذا بعد أن اغتصبني.
واليوم تعرضت للاغتصاب مرتين. مكثت في الغرفة التي مكثت فيها لمدة ثلاثة أيام بدون ملابس لمدة يوم كامل. في اليوم الأول تعرضت للاغتصاب مرتين، وفي اليوم الثاني تعرضت للاغتصاب مرتين، وفي اليوم الثالث كنت عاريًا وكانوا ينظرون إلي من المدخل وتم التقاط صورتي. وقال لي أحد الجنود: “سننشر صورهم على صفحات التواصل الاجتماعي”. “لقد جاءتني الدورة الشهرية أثناء وجودي في الغرفة، ثم طلبت مني أن أرتدي شيئاً وأخذوني إلى غرفة أخرى”.
يُذكر أن المركز نشر تقريراً مفصلاً عن أساليب التعذيب الوحشية والمعاملة المهينة وظروف الاحتجاز اللاإنسانية، بناءً على شهادة 100 معتقل أفرج عنهم في مايو 2025، مؤكداً أن هذه الانتهاكات لا تنطبق عليها تعريف التعذيب في القانون الدولي فحسب، بل ترقى إلى مستوى جريمة الإبادة الجماعية.
وعلى ضوء هذه الانتهاكات، طالب المركز المجتمع الدولي، بما في ذلك الدول التي صادقت على اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، والأمين العام للأمم المتحدة وكافة المنظمات الحقوقية والإنسانية، إلى التحرك العاجل لوضع حد لسياسة التعذيب الممنهج والإخفاء القسري، وضمان إطلاق سراح جميع الفلسطينيين المعتقلين تعسفيا، والكشف عن أماكن احتجاز المختفين قسرياً، كما طالب اللجنة الدولية للصليب الأحمر باتخاذ الإجراءات اللازمة. الوصول غير المحدود إلى جميع أماكن الاحتجاز.
كما حذر من أن آلاف المعتقلين الفلسطينيين معرضون لخطر الموت، خاصة في ظل مشروع القانون الإسرائيلي الذي يسمح بفرض عقوبة الإعدام على الأسرى الفلسطينيين بعد انتزاع اعترافاتهم القسرية نتيجة التعذيب الوحشي، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعدامات جماعية في انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان.
ودعا المركز المجتمع الدولي والسلطة الفلسطينية والمنظمات المحلية والدولية إلى توفير الحماية الفورية والرعاية النفسية والطبية الشاملة للضحايا والناجين من التعذيب، لضمان سرية هوياتهم وسلامتهم، مؤكداً إصراره على مواصلة توثيق هذه الجرائم وتقديم الأدلة إلى آليات الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة المسؤولين عنها ومنع إفلاتهم من العقاب.