
ونقدم لزوارنا أهم وأحدث الأخبار في مقالتنا أدناه:
القانون ضد الذكاء الاصطناعي اليوم الأربعاء 31 ديسمبر 2025 الساعة 01:53
وفي السياق السعودي، تبرز هذه التحديات في البيئة التقنية المتقدمة حيث تعد المملكة من الدول الرائدة عالمياً في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي. المملكة تحتل المركز الرابع عالمياً في مؤشر الخدمات الرقمية وتحقق مراكز متقدمة في مؤشرات الجاهزية التقنية والحوكمة الرقمية وهذا التقدم يخلق أرضا خصبة للابتكار، لكنه يزيد أيضا من الحاجة إلى أطر تنظيمية واضحة تحمي المجتمع من سوء استخدام هذه الأدوات، وخاصة تلك التي تؤثر على الهوية المرئية والمسموعة للأفراد أو المنظمات.
وبالنظر إلى الجهاز الرقابي في المملكة العربية السعودية، يتبين أن التزييف العميق (الصوتيات أو الصور أو مقاطع الفيديو) هو أحد الإجراءات التي تندرج تحت مفهوم الهجوم الإلكتروني. وتجرم الفقرة الخامسة من المادة الثالثة من نظام مكافحة الجرائم الإلكترونية إهانة الآخرين أو إيذائهم بالوسائل التقنية، وتنص على السجن لمدة تصل إلى سنة أو غرامة قدرها 500 ألف ريال، أو كليهما. يحتوي هذا النص على أي محتوى كاذب يستهدف بشكل مباشر شخصًا طبيعيًا أو اعتباريًا ويحتوي على محتوى تشهيري أو استفزازي أو مضلل.
كما تجرم الفقرة الرابعة من نفس المادة انتهاك الخصوصية من خلال إساءة استخدام الهواتف المزودة بكاميرات أو ما شابه ذلك؛ وهذا تعريف يمكن تطبيقه على تطبيقات التزييف العميق الحديثة التي تنتج صورًا أو مقاطع فيديو خادعة تمس خصوصية الأفراد بغرض الاستغلال أو الابتزاز أو التدخل في الهوية الرقمية.
ومن منظور أوسع، فإن الفقرة الأولى من المادة 6 من القانون هي حجر الزاوية في مكافحة المحتوى المزيف الذي يتم إنتاجه من خلال الذكاء الاصطناعي. يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات كل من ينتج أو ينشر مواد تمس النظام العام أو القيم الدينية أو الآداب العامة أو حرمة الحياة الخاصة. هذه مقالة واسعة تغطي معظم أنواع المحتوى الضار، بما في ذلك المقاطع التي تنتجها تقنية التزييف العميق ويتم توزيعها على أنها حقيقية. ومن خلال توسيع نطاق المسؤولية في المادة التاسعة، من المقرر أن يعاقب الأشخاص الذين يشجعون أو يساعدون أو يتفقون مع غيرهم على ارتكاب أي من الجرائم المنصوص عليها في النظام بما لا يتجاوز نصف الحد الأقصى للعقوبة، حتى ولو لم يقع الفعل الفعلي. وهذا يعني أن مجرد إعادة بث المقطع المزيف أو تداوله قد يعرض صاحبه للمسؤولية.
ولا تقتصر الآثار على البعد الجنائي، بل تشمل أيضاً المسؤولية المدنية وفقاً لنظام الإجراءات القانونية. ويوضح النظام أن “كل خطأ يسبب ضررا للآخرين يلزم صاحبه بالتعويض”، وهو مبدأ عام يشمل الإجراءات الرقمية الحديثة، بما في ذلك التزييف العميق. وتحسم المادة (138) من القانون مسألة التعويض عن الضرر المعنوي وتوضح أن الضرر يشمل أيضاً الضرر الحسي أو النفسي الناتج عن الضرر الذي يلحق بالبدن أو الحرية أو العرض أو السمعة أو المركز الاجتماعي. وبهذا يستطيع الشخص الذي يتضرر من أي مقطع وهمي يمس سمعته أو شخصيته أو وضعه المهني أن يطالب بالتعويض عن كافة الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به.
ونظرًا لهذا المشهد المعقد، هناك حاجة متزايدة للمستشارين القانونيين ومكاتب المحاماة ذات الخبرة الفنية والقانونية المتخصصة، مع القدرة على فهم السلوك الرقمي وتحليل الأدلة الإلكترونية. يمكن للمستشار القانوني الخبير مراجعة المحتوى الرقمي والتحقق من صحته، وتتبع مساره حتى النشر، وجمع الأدلة الرقمية المناسبة لاستخدام الطب الشرعي، ورفع الدعاوى الجنائية والمدنية لحماية حقوق المتضررين. ويمكنه أيضًا مساعدة المؤسسات على إنشاء سياسات داخلية لحماية قادتها وموظفيها من خطر المقاطع المزيفة وتقديم استشارات وقائية قبل استخدام أي أدوات تعتمد على الذكاء الاصطناعي لضمان تخفيف المخاطر قبل حدوثها.
تقود المملكة مرحلة جديدة من التحول الرقمي بتقدمها التكنولوجي وحضورها العالمي، لكن تأثير هذا التحول لن يكتمل إلا بالوعي القانوني والممارسات المسؤولة التي تواكب وتيرة التطور وتحمي المجتمع من سوء استخدام التكنولوجيا. في الوقت الذي أصبح فيه التمييز بين الصواب والخطأ تحديًا يوميًا تواجهه مختلف الصناعات، أصبح التعاون بين الهيئات التنظيمية والمؤسسات والأفراد عنصرًا أساسيًا في تعزيز الأمن الرقمي وحماية السمعة وضمان تنفيذ الأنظمة بشكل صحيح.